دفاعا عن ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم هذه محاولة إنصاف لواحد من كبار علماء المسلمين,أرد بها على مؤلف تطاول عليه ونسب إليه كذبا وزورا أمورا قصد تشويه صورته في قلوب الناس,ولن اذكر الكاتب ولا الجريدة التي كتب فيها هذا الظلم, ولا يفلح الساحر حيث أتى, والله المستعان على ما يصفون.
ـ قال : هل تصدق أنه لولا ظهور الوهابية ما كنا عرفنا ابن تيمية
وهذه مجازفة في الكلام سببها حقد الكاتب على ابن تيمية, والحق أن شهرة ابن تيمية لا تحتاج إلى الوهابية أو غيرهم, فقد مدحه جملة من كبار العلماء في زمانه وبعده إلى ما قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب, كابن حجر في الدرر والذهبي وابن القيم وابن كثير وتقي الدين السبكي وغيرهم.
ـ قال : وهل تصدق أن ابن تيمية لم يلقب بشيخ الإسلام إلا على يد تلامذة محمد بن عبد الوهاب الذين منحوا محمد بن عبد الوهاب هذا اللقب أيضا
وهذا كلام يدل على جهل المؤلف وبالغ حقده على ابن تيمية, وإن كان الناس يقولون : حبك الشيء يعمي ويصم فإنه يصح أن يقال أيضا : بغضك الشيء يعمي ويصم, والمؤلف خير مثال,والحق أنه قد تواتر عن أهل العلم تلقيبه بذلك حتى صار يعرف به, فقد ألف ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله المتوفى سنة 751 هـ كتاب الرد الوافر ذكر فيه ممن لقب ابن تيمية بشيخ الإسلام خمسة وثمانين عالما .ولقبه بذلك بعد ابن ناصر عدد أكبر بكثير.
ـ قال : من هو ؟ ثم ذكر طرفا من ترجمته لا يصلح أن يعرف به أجهل عامي من خلق الله.ولسنا نحتاج إلى المؤلف ليعرفنا ابن تيمية فقد ألف في ترجمته قديما وحديث, وذكروا ما له وما عليه بإنصاف كالرد الوافر لابن ناصر الدين والعقود الدرية لابن ناصر الدين الدمشقي والرسالة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية لمرعي الكرمي. والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار.ومن أجمعها الجامع في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية .
ـ قال : كان ابن تيمية عنيدا, سليط اللسان, عجولا في إلقاء التهم على الخصوم ... هذا كله كذب, فابن تيمية من أبعد الناس عن ذلك وهو القائل : (والكلام في الناس ينبغي أن يكون بعلم وعدل لا بظلم وجهل كحال أهل البدع).ولا أرى أحدا يتسرع في إلقاء التهم إلا أمثال هذا المؤلف المتطاول.
ـ قال نقلا عن ابن حجر في الدرر الكامنة :( وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا إنما أردت فيذكر احتمالا بعيدا ...وبالتالي فقد كان مراوغا ).ثم قال : (المرجع السابق ). يقصد الدرر الكامنة. وهذا كذب, فكلمة (وبالتالي فقد كان مراوغا) أدرجها الكاتب من كلامه زورا لإيهام القارئ أنها من كلام ابن حجر.
ـ قال نقلا عن الدرر وتاريخ الذهبي : (تعتريه حدة في البحث وشظف للخصم تزرع له عداوة في النفوس ) قال : أي أنه حاد في حواراته عصبي,يظن أن الحق معه,يسخر من الخصم,لا يحترمه,الناس جهلة في نظره,فيكره من أمامه.
قلت :جل الناس عصبي حاد في حواره مع خصمه, وكل من يدافع عن رأيه يجب أن يكون ظانا أن الحق معه,وإلا فلماذا يحاور.أما أنه كان يسخر من خصمه ويحتقره فكذب عليه سببه الجهل باللغة, فمعنى (شظف للخصم ) أي (شدة على الخصم) قال ابن فارس :في معجم مقاييس اللغة : (الشين والظاء والفاء أصل صحيح يدل على الشدة.) وصاحبنا معذول لا معذور لجهله.
ـ اتهم ابن تيمية (إنكاره المجاز لغة وشرعا) ووجه بهذا ما نسب إليه من تجسيم الله تعالى .
قلت : هذا كذب على ابن تيمية, فشيخ الإسلام ينكر المجاز في أسماء الله وصفاته, ويجريها على حقائقها كما قال السلف كسفيان الثوري ومالك وغيره : أمروها كما جاءت. ولا ينكره في اللغة.وقد بين هذا بعض الباحثين المعاصرين في مصنف مفرد مستدلا بنصوص لابن تيمية من كتبه المعروفة,فعجبا من هذا المؤلف الغريب.
ـ نسب إلى شيخ الإسلام الشذوذ في قوله في من طعن في خلافة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم : (ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله)
هذا يدل على أن المؤلف ممن يرى أو يبيح الطعن في خلافة هؤلاء الأعلام الكبار والأئمة الأخيار وخلفاء رسول الله بحق.وأظن المؤلف شيعيا رافضيا. والعياذ بالله.
ـ نسب إلى ابن تيمية أنه رمى بالشرك من توسل بالنبي وهذا كذب, إنما قال ذلك في من يستغيث بالنبي ويجعله في ذلك كالله تعالى.وكثير من الناس لا يفرقون بين التوسل والاستغاثة.
ـ ذكر أنه هاجم الخلفاء عمر وعثمان وعليا وهذا كذب, فمن قرأ كلامه في ذلك في منهاج السنة له عرف مقدار هؤلاء الخلفاء في قلبه, أما تخطئة أحد دون رسول الله ولو كان خليفة له في أمر اجتهادي فليس هجوما ولو صح أن يقال في من خطأ صحابيا أو خليفة أنه هاجمه لصح أن يقال ذلك في كل علماء المسلمين.
ـ ذكر أنه نسب لابن تيمية أنه كان يخطب فذكر حديث نزول الله تعالى إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وقال : ينزل كنزولي هذا ونزل درجتين من المنبر فنسب إلى التجسيم
قلت : هذه حكاية من حكايات صاحبنا ابن بطوطة الطنجي,وقد نسب المحققون ابن بطوطة إلى أحد أمرين : إما إلى جهله بشخص ابن تيمية وإما إلى كذبه, لأنه حينما دخل ابن بطوطة الشام كان شيخ الإسلام رحمه الله في السجن.
ـ ثم ذكر أنه قال مثل ذلك في الواسطية والحموية وهو كذب بحت لا مرية فيه.والكتابان بين يدي الناس, وهذا غريب.
ـ ذكر أن ابن تيمية أنكر جواز زيارة قبر النبي . وهذا كذب فشيخ الإسلام لا ينكر ذلك, إنما ينكر شد الرحال إليه كما تشد الرحال إلى أحد المساجد الثلاثة.
ـ ذكر أن ابن تيمية ألف كتاب (الجواب الباهر في زوار المقابر) وقال : يثبت فيه بطلان زيارة القبور وما يجري فيها
قلت : ألا يستحي هذا الكاتب من الكذب,ألا يتقي الله تعالى من التزوير. إنما أنكر شيخ الإسلام ما يفعله الناس هناك من دعاء الأموات بدل دعاء الله, والاستغاثة بهم بدل الاستغاثة بالله وطلب المال والولد منهم بدل طلبهما من الله, وطلب رفع الضرر منهم لا من الله, وهذا فساد اتفق عقلاء المسلمين على أنه شرك بالله.وما أنكر ابن تيمية زيارة القبور زيارة شرعية موافقة لهدي رسول الله أبدا.وقد قال رحمه الله في رسالته (زيارة القبور ص 16 و17) ما نصه :
(كيفية الزيارة الشرعية للقبور :
وأما زيارة القبور المشروعة فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ) إلى آخر كلامه هناك رحمه الله.
ـ ذكر أن الشافعي كان من أهل الفلسفة وعلم الكلام وهذا كذب لا يرضاه أحد. ألم يقرأ الرجل ذم الشافعي رحمه الله لعلم الكلام حيث قال كما في الإبانة الكبرى لابن بطة : (ما رأيت أحدى ارتدى شيئا من الكلام فأفلح) وقال كما في مناقب الشافعي لابن أبي حاتم : (لأن يبتلي الله المرء بما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه بالكلام ) أي بعلم الكلام.
ـ زعم أن ابن تيمية ما كان يريد للعقل أن يؤدي دوره. والجواب أن لابن تيمية كتابا كبيرا سماه (درء تعارض العقل والنقل) أو (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) أثبت فيه أن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح, وأوضح فيه أن العقل آلة للفهم لا للاعتراض على النصوص.والمؤلف ينكر ذلك, وينتصر للعقل على حساب النقل.
ـ نسب إلى ابن تيمية وجوب قتل أهل البدع وهذا كذب. ونسب إليه أيضا أنه أفتى بقتل الشيعة في جبل كروان بلبنان
قلت : قبل الرد عليه لا بد من ذكر حقيقة فتوى الشيخ رحمه الله, فقد ذكر بعض من ترجم للشيخ وكتب التاريخ أن الشيعة الرافضة(والحقيقة أنهم باطنية) بجبل كسروان (لا كروان) كانوا يقطعون الطريق على من يمر حذاءهم وخصوصا جند السلطان, وكانوا مصدر شر وإذاية للناس , وكانوا قد خرجوا على الجماعة وفارقوا الجماعة,وكان منهم جماعة تعرف بالحشاشين وجماعة تعرف بالفدائيين يؤمرون باغتيال العلماء والأمراء والوجهاء. فأفتى شيخ الإسلام ووافقه الفقهاء على وجوب مقاتلتهم لأنهم أهل بغي وحرابة فقاتلهم المسلمون وأجلوهم عن الجبل, وما أفتى الشيخ بمقاتلتهم إلا بعد ما صدر منهم مما ذكرنا فقد كان رحمه الله يرد عليهم بلسانه وقلمه, فناظرهم ورد عليهم في مصنف في مجلدين, ثم حينما ظهر عدوانهم على الناس من النساء والشيوخ والأطفال أفتى الشيخ بمقاتلتهم لا قتلهم وفرق بينهما يعرفه طلبة العلم بله العلماء,فلم يقتل النساء والأطفال والشيوخ إنما قاتل السلطان ومعه ابن تيمية مقاتلتهم فقط, فأين المؤلف من هذه الحقائق, وإنه ليقوى عندي كل مرة أرد فيها على كذبة من كذباته أنه رافضي متسترر, وإلا لماذا هذا الحرص على إظهار الشيعة مظهر المظلوم على يد الشيخ؟!
ـ ذكر من شذوذ ابن تيمية في الفقه جواز التيمم لمن خشي خروج الوقت إذا اشتغل بتحصيل الماء مع وجوده والقدرة عليه , وهذا دليل على جهله بالفقه فإن هذا مذهب الجمهور, قال شيخ الإسلام في الفتاوى : وإذا دخل وقت الصلاة كطلوع الفجر، ولم يمكنه ـ إذا اغتسل ـ أن يصلي حتى تطلع الشمس، لكون الماء بعيدًا، أو الحمام مغلوقا، أو لكونه فقيرًا وليس معه أجرة الحمام، فإنه يتيمم ويصلي في الوقت، ولا يؤخر الصلاة حتى يفوت الوقت.),وقال في الفتاوى المصرية (ص35) : (يصلي بالتيمم عند الجمهور. ).وليس هذه المسألة الوحيدة التي زعم المؤلف كونها من شذوذ ابن تيمية فإن مقاله مليء بذلك, بحيث تستغرب من وقاحته .وإني في شك من أمره.
والكلام في بيان تزوير الكاتب وكذبه على ابن تيمية يطول ويكفي هذا القليل للدلالة على الباقي, فإن مخرجه واحد وهو قلم المؤلف الذي عرفت حقيقته.
ـ ذكر ما حصل له مع مخالفيه مدعيا أنه كان يشذ بفتاواه عن العلماء والجواب أن هذا دليل على الإرهاب الفكري الذي كان يمارسه أولئك على مخالفيهم, وما كانوا يقدرون على المناظرة, وقد ناظرهم شيخ الإسلام في الواسطية فتحداهم أن يجدوا في كلامه ما يعاب فما استطاعوا.وأكبر دليل على ذلك قلة الردود عليه وضعفها, بل إنهم ما استطاعوا ذلك فحبسوه ظلما وإرهابا.ثم من الله عليه بعد ذلك بحب الناس له وشيوع فتاواه بينهم وكان من أعظم شيمه عفوه عن خصومه رحمه الله.
ـ ذكر أن ابن تيمية ما كان ينكر على الحكام وهذا كذب بل إن شيخ الإسلام أنكر على ملك التتار الظالم الذي غزا بلاد المسلمين مدعيا الإسلام.
ـ ذكر أن الحنابلة ضد للعقل وهذا افتراء, فمن عقله كعقل الإمام أحمد وهو تلميذ الشافعي, والشافعي تلميذ مالك رحمهم الله جميعا.
ـ ذكر أن ابن تيمية خالف الشيعة والمعتزلة في تأويلهم آيات الصفات وكأن المؤلف معتزلي شيعي.فإنه وصف أحاديث الصفات بأنها تضر بالإسلام وتشوه صورته.
ـ أنكر على ابن تيمية قوله : إن عمدة الزنادقة والمنافقين إبطال الأحاديث والطعن فيهم, وهذا دليل على أن المؤلف يرى جواز الطعن في حديث رسول الله
ـ ذكر أنه نسب إلى التجسيم والنفاق والكفر وقصد الحكم, أما من نسبه للتجسيم فالمعتزلة معطلة صفات الله, وأما من نسبه للكفر فعباد القبور والأوثان, وأما من نسبه للنفاق فالشيعة الروافض,لأجل جعله عليا رابعا في ترتيب الخلفاء الراشدين, وأما من نسبه لقصد الحكم فضعاف الفقهاء. لم يدركوا مكانته فاتهموه كما هي العادة.
ـ زعم أن شيخ الإسلام لا يرى جواز زيارة قبر النبي وهذا كذب فشيخ الإسلام يحرم قصد زيارة قبر النبي وحده دون مسجده,أما قصد زيارة المسجد وزيارة القبر الذي هو من شعائر زيارة المسجد فاستحبه الشيخ رحمه الله. وانظر ما كتبه تلميذه ابن عبد الهادي في كتابه الصارم المنكي ص 23 في ذلك لتعلم كذب هذا المؤلف.
ـ أنكر على شيخ الإسلام فتواه وجوب قتال معطلي الشرائع,ووصفها بأنها تطرف, وهذا جهل من المؤلف بضرورات الشريعة, ألا يعلم المؤلف أن هذه فتوى أبي بكر الصديق الذي قاتل معطلي الزكاة. فهل أخطأ أبو بكر أيها المؤلف.
ـ ذكر أنه بحث مع قوم فاحتجوا عليه بحديث أنكره فلما أظهروه له بالنقل أي أتوا بأسانيد تؤكد الحديث ووقف عليه ألقى المجلد من يده في غضب فقالوا له : ما أنت إلا جريء ترمي المجلد من يدك وهو كتاب علم؟ فقال سريعا أيما خير أنا أم موسى, وأيما خير هذا الكتاب أم ألواح الجوهر؟ إن موسى لما غضب ألقى الألواح من يده. هكذا قال.ثم أحال إلى المجلد السابع من الوافي بالوفيات للصفدي .
قلت : هذا المؤلف لا تنقضي كذباته, ولا حد لتزويره, فالذي في الوافي بالوفيات : (فادعوا شيئا أنكره) وليس فيه أنه (حديث) ولا أنهم جاؤوه (بأسانيده), فكل ذلك من كيس كذباته الكبير, فلعل الكتاب كتاب فقه مجرد عن الدليل, ولعل النقل نقل عن فقيه .وأعظم من هذا أنه تصرف في نقله عمدا وزورا وهاك صورة تدليسه, قال الصفدي في الوافي بالوفيات :(( وحكى لي عنه الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية قال:(كان صغيرا عند بني المنجا ,فبحث معهم فادعوا شيئا أنكره..))) ثم ذكر الحكاية.ولم يذكر المؤلف كون ابن تيمية صغيرا حينها لكي يوهم أن ابن تيمية كان كبيرا وألقى كتابا ردا لحديث نبوي بعد أن أثبتوا له السند, كل هذا لأجل تشويه صورة ابن تيمية عند القارئ, ولكن لله جندا يذبون عن أوليائه, فكيف يكون حكم القارئ الآن على هذا المؤلف بعد ثبوت هذا التزوير والتدليس مع سبق الإصرار والترصد؟
كتبه طارق التطواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق