تحقيق البغية بحكم إحفاء اللحية



بسم الله الرحمن الرحيم
تحقيق البغية
بحكم إحفاء اللحية

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله  وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده و رسوله
           أما بعد:
    فهذه رسالة مستعجلة ألفت فيها انتباه إخواننا إلى حكم إحفاء اللحية ،وتقصيرها تقصيرا شديدا أو قصا يشبه قص أهل الشرك. وقد أشار الله عز وجل إلى هدي الأنبياء في إعفاء اللحية في قوله تعالى :( قال يبنؤم لا تاخذ بلحيتي ولا برأسي ) ،  فلاحظ أخي أنه ما كان لموسى أن يستطيع الإمساك بلحية هارون لولا  أنها كانت بقدر يستطيع به أخذ لحيته بكفه , وقد ورد في ذلك بعض الأخبار في كتب التفسير وما أظنها تصح، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذا لحية حسنة  تملأ نحره ،  إذا تكلم في نفسه أو قرأ في صلاته عرف ذلك من خلفه باضطرابها من وفورها كما صرحت بذلك الآثار,منها ما رواه البخاري في الصحيح ( 713) عن خباب أنهم كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر باضطراب لحيته.ومثله ما ورد في حديث قدوم عروة بن مسعود إليه كما في سنن أبي داود(2765),فإنه (جعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم, فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وسلم, ومعه السيف وعليه المغفر, فضرب يده بنعل السيف, وقال :أخر يدك عن لحيته) وكذلك كانت لحى السلف . فقد روى أبو نعيم في الحلية(5/40) عن أبي بكر بن عياش قال: ( لو رأيت منصورا وعاصما والربيع بن أبي راشد في الصلاة وقد وضعوا لحاهم  على صدورهم عرفت أنهم من أبرار الصلاة)      
 وروى الإمام أحمد واللفظ له والبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة وصححه الألباني رحمه الله أن بعض الأنصار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم… (إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم و يوفرون سبالهم ) ، فقال النبي  صلى الله عليه وسلم…  :
(قصوا سبالكم و وفروا عثانينكم و خالفوا أهل الكتاب ). و السبال هي الشوارب ، و العثانين هي اللحى ، والحديث يدل على أن المبالغة في قص اللحية من عادة أهل الكتاب وأن الذي  يفعل ذلك متشبه بهم وأنه إنما  تحصل مخالفتهم بتكثيرها وتوفيرها ، قال الطيبي رحمه الله في شرح المشكاة (9/2930): (لأن المنهي عنه هو قصها كفعل الأعاجم والمراد بالإعفاء التوفير، والأخذ من الأطراف قليلا لا يكون من القص في شيء ) ، و قد روى ابن سعد في الطبقات وغيره أن رجلا مجوسيا جاء إلى الرسول  صلى الله عليه وسلم… وقد أحفى لحيته وأعفى شاربه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم…  منكرا عليه  :( من أمرك بهذا ؟ قال: ربي قال: لكن ربي أمرني أن أحفي شاربي وأعفي لحيتي ) . فتأمل مليا كيف كانت هيأة المجوسي، وكيف أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك ثم بين له الفطرة وأنها بخلاف عادته، والإحفاء المبالغة في القص, وقد عرف المشركون بمخالفة الفطرة في اللحية بطريقتين, هي الإحفاء وهي الغالبة والحلق. ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (11/541):  ( كانوا يقصون لحاهم ومنهم من كان يحلقها ) .
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار(1/166 )  : ( من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك ) وقال القاضي عياض رحمه الله في ( إكمال المعلم (2/64): ( وسنة بعض الأعاجم حلقها وجزها وهي كانت سبرة الفرس. والسبر بكسر السين الهيئة و قال ولي الله الدهلوي رحمه الله  في حجة الله البالغة (1/182).:( وقصها سنة المجوس ) وقال المناوي رحمه الله ( وكان من زي آل كسرى كما قال الروياني وغيره: قص اللحى و توفير الشوارب ) . وذكر القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله في المعونة ( 2/578 ) أن السنة : (إعفاء اللحية توفيرها وتكثيرها, لأن في ذلك جمالا للوجه و زينة للرجل ولأن الغرض بذلك مخالفة الأعاجم في نتفها وتبقية اليسير منها, والإعفاء التكثير ) وقال
وقال القرطبي(3/124) (قال العلماء أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم فإنهم يعملون ذلك على اللبق والوفاق فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت وزينة تليق بالشباب وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حف شاربه في أول ما خرج وجهه سمج وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك)

قلت : وقد وجد في أهل الكتاب من يعفي لحيته و يوفرها و الشوارب من اليهود الحسيديم وغيرهم والنصارى الأرثودكس في شرق أوروبا ومصر والسودان.بل وجد منهم في أقصى سيبيريا بأرض روسيا – وهو شيء عرفته من مطالعت لبعض الصحف الغربية – وهم يرون أيضا وجوب تغطية النساء لرؤوسهن إذا بلغن عشرين سنة! قال القرطبي رحمه الله في  التفسير (2/105): (الأعاجم يقصون لحاهم ويوفرون شواربهم أو يوفرونهما معا, و ذلك عكس الجمال والنظافة ).
  وسئل مالك عن اللحية إذا طالت جدا فقال:  أرى أن يؤخذ منها ويقص كما عند الزرقاني في شرح الموطأ (4/426) وعند القرفي في الذخيرة (13/281) (قال ابن أبي زيد : قيل لمالك إذا طالت اللحية جدا أيأخذ منها؟ قال :نعم) ، ومنهم من رأى أن عدم الأخذ منهما مما جاوز القبضة بدعة !  وقال الطبري رحمه الله : ( حمل هؤلاء النهي على منع ما كانت تفعله الأعاجم من قصها و تخفيفها) بواسطة الفتح ( 10/350). وذهب بعضهم إلى جواز الأخذ دون أخذ أهل الشرك كما روى الإمام أبو يوسف في كتاب الآثار رقم (1042)عن إبراهيم النخعي أنه قال:( لا بأس أن يأخذ الرجل من لحيته ما لم يتشبه بأهل الشرك ) ، وأما حلقها فأقبح وأشد حتى قال الإمام أبو شامة رحمه الله  : ( و قد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها ) الفتح(11/542) 
 طريفة
ومن الطريف ما وقع للدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقا, فقد وقفت عن غير قصد على مقاة له في صفحة فتاوى مخصصة له  في مجلة المجتمع ( عدد 1394 ص58  ) يستدل فيها لجواز التقصير والتصغير الشديدين بما رواه البيهقي في السنن الكبرى (708) والشعب (6451) والطبراني (617)  عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال :( رأيت من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم… يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها  ) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد( 5/167) :( رواه الطبراني وإسناده جيد ). والطريف في الاستدلال أنه تصحفت عليه الفاء غينا فقرأها: ( يصغرونها ) !وهذا من طريف التصحيف.           


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق