هل من مات استراح؟

هل من مات استراح؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فكثيرا ما نسمع من عوام الناس يقولون : (فلان مات واستراح). وفلانة ماتت فاستراحت. أو يقولون: أتمنى أن أموت فأستريح.وهذا خطأ على إطلاقه.
وقد روى الإمام أحمد (6/69و102) والطبراني في الأوسط(9379)  ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (8/290) عن عائشة قالت: قيل – وفي رواية الطبراني في الأوسط أنه بلال - : يا رسول الله , ماتت فلانة واستراحت! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (إنما يستريح من دخل الجنة.) وفي رواية قتيبة: (من غفر له)
ورواه الحارث في مسنده (256وأبو داود في المراسيل (ص351) من مرسل عروة ولفظه : توفيت امرأة وكان أصحاب رسول الله يضحكون منها فقال فلان-  في رواية أبي داود وابن المبارك في الزهد(ص85) أنه بلال -: ويحها قد استراحت. فقال النبي: إنما يستريح من غُفِرَ له إسناده مرسل رجاله ثقات) قال ابن حجر)  في المطالب العالية (13/71 ): (إسناده مرسل ورجاله ثقات)
ورواه البزار مسندا كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/330) وقال : (رجاله ثقات).
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/210) من حديث الزهري عن محمد بن عروة عن أبيه عن بلال عن سودة وفيه ( قالت سودة  رضي الله عنها :يا رسول الله مات فلان فاستراح. فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : إنما استراح من غفر له) والله أعلم.
والحديث صححه الشيخ الألباني بمجموع شواهده في السلسلة الصحيحة (رقم 1710) فلينظر هناك لزاما.
قال المناوي في فيض القدير (2/563): ((إنما استراح من غفر له) , أي سترت ذنوبه, فلا يعاقب عليها فمن تحققت له المغفرة استراح وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء والأمر بدخول الجنة فليس الموت مريحا لأن ما بعده غيب عنا ومن ثَمَّ سئل بعض العارفين: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: أول قدم يضعها في الجنة)
ويشهد لهذا ما رواه مالك (573) والبخاري (6147) ومسلم (950)عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدث أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) ولذلك قال عليه السلام : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)
قال الحافظ في فتح الباري (11/364): (لم أقف على اسم السائل منهم بعينه إلا أن في رواية إبراهيم الحربي عند أبي نعيم : (قلنا) فيدخل فيهم أبو قتادة فيحتمل أن يكون هو السائل)
ولذلك أخطأ  أبو العلاء المعري حين قال:
قضى الله أن الآدمي مُعذَّبٌ        إلى أن يقول العالمون به قضى
فهنئ ولاة الميت يوم رحيله        أصابوا تراثا واستراح الذي مضى
والصحيح قول عدي بن الرعلاء :
ليس من مات واستراح بميّت         إنّما الميت ميّت الأحياء
إنما الميت من يعيش شقيا              كاسفا باله قليل الرجاء
ومن الطريف أن الحسن البصري ما كان يتمثل ببيت شعر إلا بهذا البيت كما عند بن أبي شيبة (7/189)
عن محمد بن فضيل عن عاصم .وكان يقول : (صدق والله, إنه ليكون حيا وهو ميت القلب)
ولا ينبغي لأحد سؤال الموت طلبا للراحة زعم.فقد روى البخاري (5347) ومسلم (2680) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال النبي  صلى الله عليه وسلم: (  لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه, فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) أي لا يتمنين أحدكم الموت لذلك ظانا أنه سيرتاح بعده , فلعله يلقى ما هو أشد منه. أعاذنا الله من ضر  ما قبل الموت وضر ما بعده.
وقد يحتج بعض الناس بحديث (لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه - وفي لفظ : دون لقاءالله تعالى -) مرفوعا كما فعل ابن الحاج في المدخل (3/31) وغيره. والحديث ورد مرفوعا من حديث أبي هريرة في الفردوس(1306)  ولم يذكر له الديلمي سندا فلا أصل له. إنما يروى من كلام ابن مسعود عند وكيع في الزهد ( 84 ) وأحمد في الزهد(ص156) وابن المبارك في الزهد (ص6) ومن كلام وهب بن منبه عند محمد بن نصر المروزي في قيام الليل كما في المقاصد الحسنة للسخاوي.والحمد لله رب العالمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق