ما لكم لا ترجون لله وقارا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فإن المساجد اليوم تستغيث من عبث قبيح , وإذاية بشعة, وانتهاك صارخ لحرمتها.وهي بيوت الله تعالى, ونزل قلوب المؤمنين. لا تجد من يرفع شأنها , ويبوح بشكواها, وينتصر لمظلمتها.زخرفوها وزينوها فعل النصارى بكنائسهم. حتى رأيت في بعضها صورا وتماثيل معلقة وأنا أخطب. فأنكرت ,فأزالها بعض الغيورين حالا,وما نفع إنكاري على القائمين عليها . فعادوا ووضعوها مرة أخرى,ومن أخبث ما وقع. مما يؤذن بمصيبة , وينذر بكارثة, رفع صوت المزمار على المآذن. وكأنها مضادة لله ورسوله.
وقد مررت في إحدى ليالي رمضان بعد العشاء ببعض هذه المساجد, فصم أذني صوت مزمار منبعث من مكبرات صوت يخرج منها الأذان عادة . فغضبت , وتذكرت قوله تعالى : (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) فقلت: وهؤلاء يقولون بلسان حالهم: (في بيوت أذن الله أن ترفع وتضرب فيها المعازف) فقلت ( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) أفلا يخاف هؤلاء من رب العالمين و( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
فكيف يستغرب الناس ما نحن فيه من ذل وصغار؟
إن ظلمهم لبيوت الله تعالى من أكبر الأدلة على تولي الناس عن دينهم, وأول من يسأل عن هذا الظلم من أمر وساعد عليه. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
زار أبو بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم مرة في بيته. فسمع صوت دف تضرب عليه بعض الجواري يوم العيد. فاستنكر رضي الله عنه ذلك كما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع صوته بذلك قائلا: أمزمار الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين له أن ضرب الدف منهن في حال إظهار الفرح مستثنى من المنع. فالذي فعل أبو بكر هو استنكار أن يكون مزمار الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم, فكيف لو رأى رضي الله عنه اليوم مزمار الشيطان في بيت الله تعالى , نسأل الله العافية.
وهذا عبد الله بن عمر يسمع مؤذنا يلحن في الأذان بالغناء والتطريب فينكر عليه ذلك ويصارحه ببغضه له . فقد روى الطبراني وغيره أن رجلا جاء إلى ابن عمر فقال : إني أحبك في الله ، قال : فاشهد علي أني أبغضك في الله ! قال : و لم ؟ قال : لأنك تلحن في أذانك ، و تأخذ عليه أجرا !وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (1/104). وفي المحلى (3/146): (وعن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال رأيت ابن عمر يقول لرجل إني لأبغضك في الله ثم قال لأصحابه إنه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا).
فإن كان هذا في التطريب بالصوت الآدمي في الأذان, فما بالك بابن عمر لو رأى التطريب بمزمار شيطاني على المئذنة!
ثم تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس) فكيف يكون حال الشيطان إذا سمع المزمار. الأذان يصده والمزمار يدعوه .المؤذن يطرده و(الغياط) أو (النفار) يدعوه ! أليس هذا محادة لله ورسوله وللمؤمنين ؟!, بلا ,ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأعجب ما في الأمر أننا مالكية المذهب زعموا,ولا يفتأ القائمون عليه في بلادنا من الدعوة إليه والنهي عن مخالفته, ثم تراهم أول المخالفين.وكأن قاعدتهم :(وما نريد إلا أن نخالفكم إلى ما ننهاكم عنه, إن نريد إلا الإفساد ما استطعنا!)
ولنكتشف حقيقة أمر هؤلاء, وصحة دعواهم , لنقرأ في المعيار المعرب للونشريسي رحمه الله تعالى (1/154و155) : (سئل ابن لب عن إنشاد الشعر الغزلي في الصوامع عقب التهليل وما معه من الأذكار ما حكمه؟
فأجاب: إنشاد الشعر الغزلي وغيره في الصوامع من البدع التابعة لبدع,لأن الأصل الأذان وحده, ثن اتبع الأذكار لقصد الإيقاظ, ثم أتبع الغناء والسماع, وهذا كله من الابتداع والله المخلص).
وفي المعيار أيضا (1/278) : سئل أبو إسحاق الشاطبي عن قول (أصبح ولله الحمد) بعد الفراغ من أذان الصبح فأجاب: (إن قولهم أصبح ولله الحمد زيادة في مشروع الأذان للفجر وهو بدعة قبيحة أحدثت في المائة السادسة. )ووافقه الونشريسي على بدعيتها في المعيار (11/114)
قلت: وهي في فتاواه (ص207)
وقد اعتبر الشاطبي من البدع (دعاء المؤذنين بالليل في الصوامع) في كتاب الاعتصام.
فإن كان هذا الإنكار الشديد في أذكار محدثة ووظائف مبتدعة فما بالك بالمزمار !
ثم انتبهت وأنا أكتب هذا إلى مسألة عجيبة , وهي أن من المسلم عند الناس أنه يستقبح جدا تصرف الضيف في بيت مضيفه بغير إذنه, وها هم اليوم يبتدعون في بيت الله ويحدثون فيه ما لم يأذن به.
وهذا أمر أنكره العقلاء من فقهاء المغرب, ولا يزال منهم بقية صالحة تستنكر ذلك سرا وعلانية, وما يزيد إنكارهم القائمين على هذه البدعة إلا ضلالا!
ومنهم العلامة الناصري فقد سماه في تعظيم المنة (ص69و70) : (مزمار الشيطان المسمى في عرف المغاربة الغيطة, يصعد به بعض سفلة الناس إلى أعلى كثير من منارات المغرب بعد العشاء وقت سحور, فيزمرون به مدة طويلة من الليل بطبوع كثيرة ...ولا منكر ولا مغير بل صار خاصة الناس يفعلون ذلك ويتنافسون فيه فإن لله وإنا إليه راجعون على إرضاء الشيطان وإسخاط الرحمن ...) ثم ذكر أمورا أخرى وقال: (كله من البدع المحدثة لم يكن من عمل السلف الصالح رضوان الله عليهم )
وقد كان شيخ شيخنا الهلالي يغير ذلك بيده فينزل (الغياط) من المأذنة بالسب والشتم.رحمه الله تعالى
وقد نبه ابن الحاج إلى مسألة طريفة في ذلك, فقال في المدخل (2/256/دار الفكر) : (العجب منهم فيما يفعلونه من ذلك لأنهم يضربون بالنفير والأبواق في الأفراح التي تكون عندهم, ويمشون بذلك في الطرقات فإذا مروا على باب مسجد سكتوا وأسكتوا ويخاطب بعضهم بعضا. بقولهم احترموا بيت الله تعالى فيكفون حتى يجاوزونه فيرجعون إلى ما كانوا عليه ثم إذا دخل شهر رمضان الذي هو شهر الصيام والقيام والتوبة والرجوع إلى الله تعالى من كل رذيلة يأخذون فيه النفير والأبواق ويصعدون بها على المنار في هذا الشهر الكريم ويقابلونه بضد ما تقدم ذكره)
ما أدري كيف استساغ هؤلاء وضع زبالة مثل هذه في بيوت الله تعالى, وقد روى ابن خزيمة عن أنس (293) (إن هذا المسجد لا يصلح لشيء من القذر والبول أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة ). ولعمري , لبول في المسجد جهلا كما وقع من الأعرابي أهون عندنا من مزمار شيطان قذر يعزف فيه.
(إنما هو لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة) فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق